في بدايات العمر وخلال الفترة التي مررت بها أثناء الدراسة في المراحل التعليمية المختلفة: الابتدائية، والمتوسطة، وكذلك الثانوية، كان التعليم عبارة عن تعلم من خلال التلقين فقط، وبعد تخرجي من الثانوية، شعرت وكأني ببغاء قد تم تلقينه ما جاء في الكتب والمقررات من معلومات لم أفقه منها شيئاً، وقد حفظت البعض منها عن ظهر قلب، في حين تجاهلت البعض الآخر أو تعرض للنسيان بعد حفظي له لفترة مؤقتة، وذلك من أجل اجتياز الامتحانات الانتقالية من مرحلة إلى أخرى، فقط لا غير!!
فعلياً لم أكن أفهم أو استوعب تلك المعلومات التي جاءت من الكتب والمقررات ونقلها لي المعلم إلا ما ندر منها، حتى قررت المبادرة باختيار ما أريد أن اتعلمه فعلاً، وتجنب ما لا أريده، لكي أصل لما أريد تحقيقه، وهذا القرار جعلني مسؤولاً مسؤولية تامة عن مسألة التعلم التي تخصني، وعلمت لاحقاً بأن هذا القرار يعد مفهوماً من مفاهيم التعلم النشط، حيث أن التعلم النشط "يقصد به ممارسة الطلبة لدور فاعل في عملية التعلم، عن طريق التفاعل مع ما يسمعون، أو يشاهدون، أو يقرأون في الصف، ويقومون بالملاحظة، والمقارنة، والتفسير، وتوليد الأفكار، وفحص الفرضيات، وإصدار الأحكام، واكتشاف العلاقات"، (شحاتة والنجار، 2003، ص115).
ومن يتساءل هنا عن معنى كلمة مبادرة، فالمبادرة لغوياً كما جاءت في معجم المعاني الجامع، هي: "الإسراع وعدم المماطلة" ("تعريف ومعنى مبادرة"، بدون تاريخ).
ومن خلال ما ذكر أستطيع أن أقوم الآن بتوضيح الفروقات ما بين التعلم النشط والتعلم من خلال التلقين، وهذه الفروقات سأذكرها على هيئة نقاط مركزة، كل واحدة على حدة، كما ذكرها أيضاُ من (التلواتي، 2019) وهي على النحو التالي:
- دور المعلم: نجد بأن دور المعلم في التعلم من خلال التلقين محصور في نقل المعلومة، على عكس دوره في عملية التعلم النشط، الذي يبرزه كشخصية محفزة، وموجهة، ومصدرة للخبرة.
- دور المتعلم: المتعلم في التعلم من خلال التلقين نجده متلقِ سلبي، تنقل له المعلومة فقط، أما في التعلم النشط، فنجده مشارك في العلمية التعليمية بشكل إيجابي.
- الأهداف: لا توجد أهداف معلنة أو واضحة من خلال التعلم من خلال التلقين، لأن المعلم هو من يقرر هذه الأهداف، على عكس الأهداف المعلنة في عملية التعلم النشط، حيث ان المتعلمين يتشاركون مع المعلم في تحديد الأهداف وتحقيقها.
- مصادر التعلم: الكتاب المدرسي أو المقرر التعليمي والمعلم هما المصدران الوحيدان في عملية التعلم من خلال التلقين، وأما مصادر التعلم النشط فهي متعددة ومتنوعة، وللمتعلمين حرية الاستعانة بما شئت من هذه المصادر.
- مخرجات التعلم: يُخرج من التعلم من خلال التلقين طلبة حافظون للمعلومات فقط، أما التعلم النشط فإنه يُخرج طلبة فاهمون للمشكلات وكيفية إيجاد الحلول لها.
- التقويم أو التقييم: في التعلم من خلال التلقين تقتصر علمية التقييم على المعلم، أما في التعلم النشط نجد بأن الكل يشارك في العملية التقييمية (المعلم والمتعلم، والأقران أو الزملاء).
ولو قمنا بتسليط الضوء على أول نقطة ذكرتها في توضيح الفروقات، ألا وهي نقطة دور المعلم، سنجد بأن دور المعلم ليس له حدود في العملية التعليمية المبنية على التعلم النشط، حيث يجب أن يكون لدى المعلم مدى واسع من المعلومات، لأنه سيحمل عدة صفات كما لخصها الخطيب (1986)، وذكرها كلاً من (عامر والمصري، 200)، فالمعلم هو الموجه لتنمية مهارة الثقة بالنفس لدى الطلاب، وهو الخبير القادر على تشخيص الطلاب ومستوى تقدمهم، وهو المخطط الذي يشارك الآخرين في إعداد وتنفيذ الخطة ومصادر المعلومات، وهو المهندس الذي يقوم بتزويد المتعلمين بالتعليمات اللازمة ويراعي الوقت والجهد ويذلل الصعوبات على الجميع، وهو مجمع المعلومات الذي يسجل المعلومات المتعلقة بالمراحل السابقة ويجعلها في متناول المتعلمين، وهو أيضاً المتعلم الذي يشارك في برامج التدريب وتجريب الأفكار الجديدة والاهتمام بانطباعات الطلبة.
ومن سياق الحديث، نستنتج أيضاً أهمية تقييم الأقران ودورها في العملية التعليمية المتعلقة بالتعلم النشط، حيث ان التقييم في التعلم النشط يكون جماعيا بين الطلاب والمعلم، وهو تقييم دائم ومستمر اثناء التقدم في الموضوعات الدراسية، فمعايير التقييم تم الاتفاق عليها ووضع آليتها من قبل الطلاب أنفسهم، بالتعاون مع المعلم لقياس جودة التعلم ومخرجاته، فيأتي الحماس لعرض المنجزات بينهم نتيجة اقتناعهم ببنود التقييم المختلفة.
وهنا تظهر المسئولية التي سيتم تحملها من قبل الطالب اثناء التقييم، مما يزيد من ثقته بنفسه، وقدرته على النقد، وزيادة في استقلاليته، وإدراك قيمة التقييم وأنها جزء مهم في العملية التعليمية، فيكون هناك زيادة في الحرص على فهم المادة.
ختاماً أجد بأن عملية التعلم النشط عملية ممتعة للغاية، وذلك من خلال إصرار الفرد منا للوصول إلى النتائج المرضية، والحلول النهائية لأي مشكلة تواجهه، بالإضافة إلى أنها تقوم بتوسيع المدارك، وتلهم العقول بالأفكار الإبداعية والخروج عن المألوف، شريطة أن يكون لدى المتعلم سمتّي الإصرار والعزيمة، وعدم التقوقع داخل الذات، وعدم الاكتفاء بما تم تلقينه مسبقاً..
__________________________
المراجع:
تعريف ومعنى مبادرة. (بدون تاريخ) موقع المعاني، استرجع بتاريخ 2021 أكتوبر 03. تم الاسترجاع من الرابط إضغط هنا
التلواتي، رشيد. (2019، أكتوبر 31). ما هو التعلم النشط : أهميته ـ أسُسُه ـ استراتيجياته ـ إيجابياته. موقع تعليم جديد، استرجع بتاريخ 2021، أكتوبر 03. تم الاسترجاع من الرابط إضغط هنا
شحاتة، حسن والنجار، زينب. (2003). معجم المصطلحات التربوية والنفسية (ص. 115). القاهرة، مصر: الدار المصرية اللبنانية.
عامر، طارق عبدالرؤف والمصري، إيهاب عيسى. (2013). أسس وأساليب التعلم الذاتي (ص. 58). القاهرة، مصر: دار العلوم للنشر والتوزيع.
شحاتة، حسن والنجار، زينب. (2003). معجم المصطلحات التربوية والنفسية (ص. 115). القاهرة، مصر: الدار المصرية اللبنانية.
عامر، طارق عبدالرؤف والمصري، إيهاب عيسى. (2013). أسس وأساليب التعلم الذاتي (ص. 58). القاهرة، مصر: دار العلوم للنشر والتوزيع.
إرسال تعليق