العولمة والاستعمار الناعم !!



الاستعمار والعولمة مفهومان مرتبطان بالتفوق والقدرة على السيطرة وإلغاء الحدود بين الشعوب، وقد يختلفان في نوعية هذا التفوق، حيث ان الاستعمار يعتمد على فرض السيطرة من خلال البطش العسكري وقوة السلاح، أما العولمة فإنها تعتمد على فرض الهيمنة من خلال قوتي المال والمعرفة.

وبالعودة إلى القرن السادس عشر للميلاد، ذكرت هيفاء التكريتي (2010) بأن التقدم التقني في تلك الحقبة الزمنية - كـ ابتكار استعمال البارود، وظهور الطباعة وكذلك بناء السفن الحربية الكبيرة بالإضافة إلى تحسين البوصلة وتزايد حركة الاكتشافات الجغرافية - ساهم بشكل كبير في ربط الكرة الأرضية وتحويلها إلى قرية صغيرة، وتحديدا بعد أن تحولت الدول الأوروبية إلى إمبراطوريات استعمارية استطاعت أن تبسط سيطرتها على العالم من خلال التوسعات الوحشية باستخدام قوة السلاح، وعن طريق التصفية الجسدية التي تتعرض لها شعوب الدول المستعمرة واستعبادهم ونهب ثرواتهم وتحويلها ونقلها إلى أوروبا، وقد سميت هذه الظاهرة بالعولمة القصرية.

وبالانتقال إلى القرن التاسع عشر للميلاد، نجد بأن فيليب موروديفارج (1998/بدون تاريخ) قد ذكر بأن تراكم العديد من التغيرات ساهمت في تضخم حركة العولمة، كـ الثورة الصناعية وثورة النقل والثورة الديمغرافية، ومن تلك الحقبة الزمنية وصولا إلى بداية الألفية الثالثة انتقلت البشرية إلى مرحلة جديدة من التحولات الكبيرة التي تؤثر وتمس جوانب الحياة العامة مثل السياسة، الاقتصاد، بالإضافة إلى الجانب الثقافي بما تشمله من اللغة والعادات والتقاليد، وقد تكون العولمة هي أبرز سمات هذه التحولات، إذ أن العولمة كما ذكر في موقع المعاني تعني "حرية انتقال المعلومات وتدفق رءوس الأموال والسلع والتكنولوجيا والأفكار والمنتجات الإعلامية والثقافية والبشر أنفسهم بين جميع المجتمعات الإنسانية حيث تجري الحياة في العالم كمكان واحد أو قرية واحدة صغيرة" ("تعريف ومعنى عولمة"، بدون تاريخ).

ولتوضيح بعضاً من هذه التحولات نجد بأن رزان صلاح (2022) قد وصفت الجوانب المتأثرة بالعولمة على النحو التالي:
  • الجانب السياسي: بالرغم من الانبثاق الواضح عن العولمة للعديد من المنظمات الدولية وظهور مفاهيم خاصة بالقانون الدولي، والتي ساهمت في تعزيز مفاهيم حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية على نطاق واسع دولياً، إلا وأن بعضاً من الدول القوية لازالت تهيمن على الدول النامية والضعيفة، من خلال التأثير على الاقتصاد بما يخدم مصالح الطرف الأقوى، وهذا الأمر أدى إلى ظهور الكثير من الصراعات السياسية بين الدول أو القوى العالمية الكبرى، كالصين والولايات المتحدة الأمريكية.
  • الجانب الاقتصادي: بالرغم من أن العولمة في هذا الجانب تعبر عن التعاون الاقتصادي لجميع دول العالم التي ساهمت في إنشاء منظمة التجارة الدولية، وساعدت أيضاً على زيادة حجم التعامل بالسلع والخدمات المتنوعة عبر الحدود، وتحقيق الميزة التنافسية للعديد من الشركات من خلال تمكينها للحصول على المواد الأولية بأسعار زهيدة، بالإضافة إلى إمكانية حصولها على الأيدي العاملة بكلفة منخفضة، وقدرتها على الاستفادة من المهارات والخبرات الفنية الخارجية، إلا وأن مسألة انخفاض أجرة الأيدي العاملة ساهمت في تعرض العاملين للاستغلال من قبل تلك الشركات، وتسببت أيضاً إلى هجرة الكفاءات والعقول من أوطانها، سعيا من تلك الكفاءات للحصول على الأفضل.
  • الجانب الثقافي: في هذا الجانب نجد بأن العولمة هي عبارة عن انتقال اهتمام الفرد من المجال المحلي إلى المجال العالمي، وخروجه من المحيط الداخلي إلى المحيط الخارجي، مما يعزز من اندماج الشعوب مع بعضها البعض، إلا وأن هذا الأمر قد أدى إلى الوقوع في خطر فقدان الهوية المحلية، بالإضافة إلى فقدان العادات والسمات والهوية المحلية الخاصة بتلك الشعوب، واندثار ما يسمى بالتنوع الثقافي.

ومما ذكر نستنتج بأن العولمة لها سلبيات ولها إيجابيات، وهي عبارة عن استعمار ناعم تفرض بقوة المال والمعرفة، ومن يمتلك هذه القوى هو من يستطيع تنميط العالم او كوكبة العالم بما يتناسب مع فكره ومصالحه واقتصاده.



---------------------

المراجع

"تعريف ومعنى عولمة". (بدون تاريخ). موقع المعاني. تم الاسترداد من الرابط اضغط هنا
التكريتي، هيفاء. (2010). آليات العولمة الاقتصادية وأثارها المستقبلية في الاقتصاد العربي. عمان، الأردن: دار الحامد للنشر والتوزيع
صلاح، رزان. (2022، يونيو 06). ما هي العولمة، (تدقيق هبة الشويات). موقع موضوع. تم الاسترداد من الرابط اضغط هنا
موروديفارج، فيليب. (بدون تاريخ). العولمة، (ترجمة كمال السيد). القاهرة، مصر: شركة الخدمات التعليمية. (العمل الأصلي نشر في 1998)





ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق

من نحن

الكثيري إنفو - موقع شخصي مبني من خلال منصة بلوجر للكاتب الإعلامي والشاعر خالد الكثيري

عدد زيارات الموقع